responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفروق للقرافي = أنوار البروق في أنواء الفروق المؤلف : القرافي، أبو العباس    الجزء : 1  صفحة : 50
بَيْنَهُمَا فَهُوَ الْإِبَاحَةُ وَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ بَلْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَصْلِ الْكَلَامِ رُتْبَةٌ عَقْلِيَّةٌ لَا زَمَانِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ يَقْضِي بِتَقْدِيمِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ بِالرُّتْبَةِ تَقْدِيمًا عَقْلِيًّا لَا زَمَانِيًّا فَلَا تَلْزَمُ مُنَافَاةُ الْأَزَلِ لِلْإِنْشَاءِ النَّفْسَانِيِّ وَلَا الْحُدُوثُ فَإِنْ قُلْتَ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْأُمُورُ إخْبَارَاتٍ عَنْ إرَادَةِ وُقُوعِ الْعِقَابِ عَلَى مَنْ خَالَفَ وَعَصَى وَلَا تَكُونُ إنْشَاءَاتٍ.
(قُلْتُ) ذَلِكَ بَاطِلٌ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّ الْخَبَرَ يَقْبَلُ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ وَهَذِهِ الْأُمُورُ لَا تَحْتَمِلُهَا فَهِيَ إنْشَاءَاتٌ، وَثَانِيهَا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ إخْبَارَاتٍ لَلَزِمَ الْخُلْفُ فِيهَا لِحُصُولِ الْعَفْوِ عَنْ الْعُصَاةِ إمَّا تَفَضُّلًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ مِنْ الْمُكَلَّفِ أَوْ بِسَبَبٍ هُوَ التَّوْبَةُ لَكِنَّ ذَلِكَ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَكُونُ خَبَرًا عَنْ ذَلِكَ، وَثَالِثُهَا أَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ أَنَّ إرَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى وَاجِبَةُ النُّفُوذِ فَلَوْ كَانَتْ إخْبَارَاتٍ عَنْ إرَادَةِ الْعِقَابِ لَوَجَبَ عِقَابُ كُلِّ عَاصٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِإِجْمَاعِنَا عَلَى حُصُولِ الْعَفْوِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الصُّوَرِ الَّتِي لَا تُحْصَى، وَالنُّصُوصُ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} [الشورى: 25] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «النَّدَمُ تَوْبَةٌ وَالْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» ، الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ قَوْله تَعَالَى فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يُتَصَوَّرُ الْحُكْمُ فِيمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - فَإِنَّ الْحُكْمَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الِاجْتِهَادِ وَلَا اجْتِهَادَ فِي مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ سَعْيٌ فِي تَخْطِئَةِ الْمُجْمِعِينَ فَيَكُونُ الْعَامُّ مَخْصُوصًا بِصُوَرِ الْإِجْمَاعِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - النَّصُّ بَاقٍ عَلَى عُمُومِهِ غَيْرَ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الصَّيْدِ إنَّمَا هُوَ الْقِيمَةُ عَلَى طَرِيقِ الْفَاصِلِ الشَّاهِدِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أُمُورٌ أَحَدُهَا قَوْله تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] فَجَعَلَ الْجَزَاءَ لِلْمِثْلِ لَا لِلصَّيْدِ نَفْسِهِ، فَالنَّعَمُ وَاجِبَةٌ فِي الْمِثْلِ الَّذِي هُوَ الْقِيمَةُ لَا لِلصَّيْدِ نَفْسِهِ، وَثَانِيهَا أَنَّهُ لَوْ حُمِلَ الْجَزَاءُ عَلَى الصَّيْدِ نَفْسِهِ لَزِمَ التَّخْصِيصُ وَعَلَى مَا ذَكَرْنَا لَا يَلْزَمُ التَّخْصِيصُ.
وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الصَّيْدِ فَلَوْ حُمِلَ الْجَزَاءُ عَلَى الصَّيْدِ خَرَجَ مِنْهُ مَا لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ النَّعَمِ كَالْعَصَافِيرِ وَالنَّمْلِ وَغَيْرِهَا، وَإِذَا قُلْنَا بِالْقِيمَةِ وَجَبَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ الْقِيمَةُ فَلَا تَخْصِيصَ وَهُوَ أَوْلَى فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ، وَثَالِثُهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اشْتَرَطَ الْحَكَمَيْنِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَتَأَتَّى إذَا قُلْنَا بِالْقِيمَةِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ عَلَى تَقْوِيمِ صَيْدٍ أَنْ لَا نُقَوِّمَهُ نَحْنُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ أَفْرَادَ النَّوْعِ الْوَاحِدِ تَخْتَلِفُ قِيمَتُهَا وَلَا يُغْنِي تَقْوِيمٌ عَنْ تَقْوِيمٍ فَيَبْقَى الْعُمُومُ عَلَى عُمُومِهِ فِي الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَمَّا لَوْ جَعَلْنَا فِي الصَّيْدِ الْجَزَاءَ مَعَ أَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ فِي الضَّبُعِ شَاةً وَفِي الْبَقَرَةِ الْوَحْشِيَّةِ بَقَرَةً وَفِي النَّعَامَةِ بَدَنَةً وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الصُّوَرِ الَّتِي يُفْرَضُ حُصُولُ الْإِجْمَاعِ فِيهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يَتَعَيَّنُ
ـــــــــــــــــــــــــــــSإلَى قَوْلِهِ فَلَا تَلْزَمُ مُنَافَاةُ الْأَزَلِ لِلْإِنْشَاءِ النَّفْسَانِيِّ وَلَا الْحُدُوثُ) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْجَوَابِ صَحِيحٌ.
قَالَ (فَإِنْ قُلْتَ لِمَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْأُمُورُ إخْبَارَاتٍ عَنْ إرَادَةِ وُقُوعِ الْعِقَابِ إلَى آخِرِ جَوَابِهِ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ وَاضِحٌ
قَالَ: (الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ قَوْله تَعَالَى فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي تَرْجِيحِ الْمَذْهَبِ وَالْفَرْقِ بَيْنَ الْفَتْوَى وَالْحُكْمِ وَتَخْرِيجِ الْجَوَابِ عَلَى ذَلِكَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ الَّذِي يَنْصُرُهُ أَهْلُ الْمَذْهَبِ الْقَرَافِيِّ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَالْقَوْلُ بِاللُّزُومِ لِمَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ فِي الْبَيَانِ وَالْمُقَدِّمَاتِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ هُوَ الْأَشْهَرُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ حَلٌّ لِلْعِصْمَةِ الْمُنْعَقِدَةِ بِالنِّيَّةِ وَالْقَوْلِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَلُّهَا كَذَلِكَ إنَّمَا يُكْتَفَى بِالنِّيَّةِ فِي التَّكَالِيفِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْقَلْبِ لَا فِيمَا بَيْنَ الْآدَمِيِّينَ.
اهـ وَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَى الْأَوَّلِ الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ فِي مَجْمُوعِهِ حَيْثُ قَالَ لَا بِالْكَلَامِ النَّفْسِيِّ عَلَى الرَّاجِحِ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ إنْ اجْتَمَعَ النَّفْسَانِيُّ وَاللِّسَانِيُّ لَزِمَ الطَّلَاقُ فَإِنْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ فَقَوْلَانِ اهـ فَالنِّيَّةُ فِي اصْطِلَاحِ أَرْبَابِ الْمَذْهَبِ تُطْلَقُ بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ عَلَى الْقَصْدِ وَعَلَى الْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ صَرِيحُ الطَّلَاقِ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ إجْمَاعًا، وَهُوَ يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ إجْمَاعًا وَفِي احْتِيَاجِهِ إلَى النِّيَّةِ قَوْلَانِ وَظَاهِرُهُ التَّنَاقُضُ لَكِنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِالْأَوَّلِ قَصْدَ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي مَوْضِعِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ إلَّا فِي الْكِنَايَةِ دُونَ التَّصْرِيحِ، وَيُرِيدُونَ بِالثَّانِي الْقَصْدَ لِلنُّطْقِ بِصِيغَةِ التَّصْرِيحِ احْتِرَازًا عَنْ النَّائِمِ وَمَنْ يَسْبِقُهُ لِسَانُهُ.
وَيُرِيدُونَ بِالثَّالِثِ الْكَلَامَ النَّفْسَانِيَّ وَكَمَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي انْعِقَادِ الطَّلَاقِ بِإِنْشَاءِ كَلَامِ النَّفْسِ وَحْدَهُ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ اللَّفْظِ كَذَلِكَ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي الْيَمِينِ، وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ أَنَّ مَا فِي الْجَلَّابِ وَغَيْرِهِ مِنْ قِيَاسِ لُزُومِ الطَّلَاقِ بِكَلَامِ النَّفْسِ عَنْ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ فَإِنَّهُ يَكْفِي فِيهِمَا كَلَامُ النَّفْسِ فَاسِدٌ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّ الطَّلَاقَ إنْشَاءٌ وَهُمَا لَا يَقَعَانِ إلَّا بِالْإِخْبَارِ وَالِاعْتِقَادِ. وَثَانِيهَا أَنَّ الِاعْتِقَادَ مِنْ بَابِ الْعُلُومِ وَالظُّنُونِ لَا مِنْ بَابِ الْكَلَامِ وَالْبَابَانِ مُخْتَلِفَانِ فَلَا يُقَاسُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ. وَثَالِثُهَا أَنَّهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّ الْإِيمَانَ لَا يَكْفِي فِيهِ مُجَرَّدُ الِاعْتِقَادِ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ النُّطْقِ بِاللِّسَانِ مَعَ الْإِمْكَانِ عَلَى مَشْهُورِ مَذْهَبِ الْعُلَمَاءِ كَمَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءِ وَغَيْرُهُ كَانَ اللَّازِمُ أَنْ يُقَالَ فِي الْقِيَاسِ عَلَى فَرْضِ تَسْلِيمِ أَنَّ الْبَابَيْنِ وَاحِدٌ يَجِبُ أَنْ يُفْتَقَرَ الطَّلَاقُ إلَى اللَّفْظِ قِيَاسًا عَلَى الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى.

[الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ فِي بَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ الصِّيَغِ الَّتِي يَقَعُ بِهَا الْإِنْشَاءُ]
(الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) فَرَّقَ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ تَصِحُّ

اسم الکتاب : الفروق للقرافي = أنوار البروق في أنواء الفروق المؤلف : القرافي، أبو العباس    الجزء : 1  صفحة : 50
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست